أول الآداب التي ينبغي يتحلَّى بها معلم القرآن أن يبتغي بعمله مرضاة الله ، فيخلص لله في عمله ، فلا يعلِّم القرآن لأجل مغنمٍ دنيوي أو مكسب معنوي ، بل عليه ، يكون زاهداً بما في أيدي الناس ، عفيف النفس ، واسع الخلق ، طلق الوجه ، صابراً ومحتسباً أجره عند الله ، مستحضراً قوله تعالى: (وما أسألكم عليه من أجرٍ إن أجري إلا على رب العالمين) [الشعراء:109]
وليحذر كل الحذر من الحسد و الرياء والعجب بالنفس واحتقاره الغير، بل عليه أن يكون ناصحاً مرشداً رفيقاً بمن يعلمه ، معتنياً بمصالحه، وأن يحب له ما يحبه لنفسه وولده. ولا ينبغي للمعلم أن يكون عنيفاً أو متساهلاً في تعليمه، بل مقتصداً في أمره ، خشية أن ينفّر من هو بين يديه، وخاصة إذا كانوا ناشئة في العلم ، وفي الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{إن الله يحب الرفق في الأمر كله، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف} وفي رواية لمسلم:{إن الرفق لا يكون في شيء إلا زا نه ولا يُنزع من شيء إلا شأنه}.
وعليه أن يصبر على من بطأ فهمه، وأن يعذر من قلَّ أدبه أحياناً.وأن يأخذ طلبته بإعادة محفوظاتهم ، ويثني على من ظهر تفوقه وإقدامه، ويعنَّف من قصَّر تعنيفاً لطيفاً، ويقدم في القراءة السابق فالسابق، إلا إن كان ثمة مصلحة فيقدِّم اللاحق. وعليه أن يتفقد أحوال طلبته، ويسأل عن غائبهم.
وعلى معلم القرآن أن يكون قدوة للمتعلم في سلوكه كله، من احترام للوقت، والعدل بين المتعلمين، فلا يفضَّل أحداً على أحد، إلا لمصلحة تتطلب ذلك ، ولا يخاطب أحداً بعينه ويعرض عن غيره، بل يكون عادلاً في كل ذلك حتى في نظراته، فهو يعلِّم كلام الله، فليراعِ أمر الله القائل في كتابه: (يا أيها الذين أمنوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِِاِلْقسْطِ شُهَدَاءَ لِلّهِ) [النساء:135]
وعليه أن يصون يديه حال الإقراء عن العبث، وعينه عن النظر فيما لا حاجة له إليه. وليرعَ الأمانة التي حُمِّلها ، وهي أمانة هذا الكتاب، وليتحل بأوصاف أهل القرآن، الذين هم أهل الله وخاصته، ففي ذلك كله فلاح له إن شاء الله.
وجملة القول هنا إن أهل القرآن وحَمَلَتُه إذا أرادوا أن يكونوا أهلاً لهذا الوصف الذي وصفهم به رسول الله، فعليهم أن يتحلوا بآداب القرآن، لينالوا عز الدنيا وعز الآخرة، والله الموفّق والهادي إلى سواء السبيل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
اللهم اجعل في هذه الوريقات النفع والبركة لكاتبها وقارئها وناشرها اللهم آمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.