قال الله تعالى في سورة فاطر: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ(32)).
الآية الأولى من هذه الآيات تسمى آية القراء كما قال قتادة: (كان مطرِّفُ رحمه الله تعالى إذا قرأ هذه الآية يقول: هذه آية القراء).
فقد أثنى الله تعالى في هذه الآية على القراء الذين يتلون الكتاب و يعلمون به، فيصلون و ينفقون ويقومون بأوامره سبحانه، ثم بشرهم بما وعدهم من الثواب العظيم والنعيم المقيم، فقال سبحانه: لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ أي أجورهم مقابل أعمالهم، لأن الأجر مقابل الأعمال، ولكن ليس هذا ثوابهم فقط بل هناك الفضل من الله تعالى بالزيادة يزيدهم بها من عنده سبحانه وهذه الزيادة لا يعلم قدرها وعددها إلا الله تعالى، ولكن أعظم الزيادات التي يتفضل الله تعالى بها عليهم أن يكشف لهم الحجاب حتى ينظروا إليه سبحانه، كما روى مسلم وغيره عن صهيب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول الله تعالى: أتريدون شيئا أزيدكم؟.
قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم تبارك وتعالى ثم قرأ قول الله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(26)) [سونس:26].
وقد أثنى الله تعالى في هذه الآيات السابقة على هذه الأمة المصطفاة من بين الأمم، المخصوصة بوراثة كتاب الله العظيم، وحق لأفضل أمة أن ترث أفضل كتاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صنفهم إلى ثلاثة أصناف بالنسبة لأخذهم من كتاب الله وتمسكهم به.
فالأول: (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ) وهو التارك لأمر محتم، أو فاعل لمنهي عنه محرم، وقد ورد عن السلف الصالح أنهم الذين خلطوا عملا صالحا وأخر سيئا.
والثاني: قال تعالى: (وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) وهو المؤدي للواجبات التي بينه وبين الخالق، وبينه وبين المخلوقين التارك كذلك للمحرمات، ويقال أنهم أصحاب اليمين، ويقال: أنهم الأبرار عند مقابلتهم بالمقربين.
والثالث: هم الذين قال تعالى عنهم: (وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) وهؤلاء الذين قاموا بجميع الأوامر وتركوا جميع المنهيات، وسبقوا بفعل الخيرات وهي النوافل فوق الفرائض، ولنعلم أن لفظ الخيرات اسم جنس يعم كل خير زائد على الفرض ولا يقتصر على موضوع العبادات فقط.