قال ابن قدامة: ويسن السجود للتالي والمستمع لا نعلم في هذا خلافاً. وقد دلت عليه الأحاديث التي رويناها. وقد روى البخاري، ومسلم، وأبو داود، عن ابن عمر، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ علينا السورة في غير الصلاة، فيسجد، ونسجد معه، حتى لا يجد أحدنا مكاناً لموضع جبهته.
فأما السامع غير القاصد للسماع فلا يستحب له، وروي ذلك عن عثمان، وابن عباس، وعمران وبه قال مالك. وقال أصحاب الرأي: عليه السجو .
وروي نحو ذلك عن ابن عمر، والنخعي، وسعيد بن جبير، ونافع، وإسحاق؛ لأنه سامع للسجدة، فكان عليه السجود كالمستمع. وقال الشافعي: لا أؤكد عليه السجود، وإن سجد فحسن.
ولنا: ما روي عن عثمان رضي الله عنه: أنه مر بقاص، فقرأ القاص سجدة ليسجد عثمان معه، فلم يسجد. وقال: إنما السجدة على من استمع. وقال ابن مسعود، وعمران: ما جلسنا لها. وقال سلمان: ما عدونا لها.
ونحوه عن ابن عباس، ولا مخالف لهم في عصرهم نعلمه إلا قول ابن عمر: إنما السجدة على من سمعها.
فيحتمل أنه أراد من سمع عن قصد، فيحمل عليه كلامه جمعاً بين أقوالهم؛ ولا يصح قياس السامع على المستمع، لافتراقهما في الأجر .
والفرق بين السامع والمستمع أن السامع من لا يكون منتبهاً للتلاوة مركزاً عليها، وإنما يسمعها من غير قصد للسماع، والمستمع من يقصد سماع التلاوة أو يجلس للسماع ويتعمده.