أنزل الله القرآن الكريم على رسوله الأمين ليكون شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فكان كذلك وكان خلقه القرآن يأتمر بأوامره وينزجر بزواجره ويسارع إلى ما حث عليه ويتأدب بآدابه ويتخلق بأخلاقه، وعلم أصحابه الكرام ألفاظ القرآن ومعانيه فكان همهم حفظ القرآن وتلاوته وتنفيذ أوامره وتطبيق أحكامه، وكانوا يتسابقون إلى دراسته وتفهمه، ولقد بلغ من عنايتهم بالقرآن أنهم كانوا يجعلون مهر الزوجة سورًا من القرآن، وكانوا يقومون به الليل كما وصفهم الله بقوله: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا}[السجدة: 16]، {انُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ *وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[الذاريات: 17، 18].

كان المار ببيوتهم في غسق الليل يسمع دويًّا كدويِّ النحل من تلاوتهم للقرآن ومن بكائهم لكثرة تدبرهم لمعانيه وتأثرهم به، وقد اعتنى الصحابة، رضي الله عنهم كل العناية بالقرآن حفظًا وكتابة وتلاوة ورواية، كانوا يحكمون ويتحاكمون إلى القرآن ويتأدبون ويؤدبون أولادهم بآداب القرآن، وبالقرآن دخل الناس في دين الله أفواجًا وبالقرآن فتحوا البلاد، ودانت لهم رقاب العباد ومكنهم الله في الأرض وانتصروا على الأعداء، وكان في مقدمتهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون في القرون الثلاثة المفضلة وسار على نهجهم العلماء العاملون وأئمة العدل وولاته إلى يومنا هذا، ولا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى يوم القيامة، نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.