ذكر ابن قدامة في المغني: (قال بعض أصحابنا: يكره للإمام قراءة السجدة في صلاة لا يجهر فيها وإن قرأ لم يسجد وهو قول أبي حنيفة ولم يكرهه الشافعي لأن ابن عمر روى عن النبي /أنه سجد في الظهر ثم قام فركع فرأى أصحابه أنه قرأ سورة السجدة. رواه أبو داود، واحتج أصحابنا بأن فيه إيهاماً على المأموم وإتباع النبي أولى وإذا سجد الإمام سجد المأموم، وقال بعض أصحابنا هو مخير بين إتباعه وتركه والأولى إتباعه لقول النبي: «إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا سجد فاسجدوا» ولأنه لو كان بعيداً لا يسمع أو أطروشاً في صلاة الجهر لسجد لسجود إمامه كذا ها هنا).

وذكر الدكتور محمد بكر إسماعيل أنه خلاف سجود الصلاة فإنه يجب عليه الإتيان به حتى ولو رفع الإمام رأسه منه (سجود الصلاة) لأنه ركن في الصلاة بخلاف سجود التلاوة فإنه سنة ومتابعة الإمام فرض والفرض مقدم على السنة.

قال الشيخ محمد حامد الفقي – رحمه الله: قال ابن التركماني: وعلى تقدير ثبوت الحديث (حديث ابن عمر أن النبي سجد في الركعة الأولى من صلاة الظهر) فهو /ظن منهم ويحتمل أنه ترك سجدة من ركعة مثلها فسجدها لا للتلاوة، وحكى القدوري في التجريد أنه يكره للإمام إذا كان يخفي القراءة أن يقرأ آية سجدة لأنه إن لم يسجد لها يكون تاركاً للسجدة بعد تحقيق سببها وإن سجد تشتبه السجدة على القوم ويظنون أنه نسي الركوع وسجد فلذلك يكره أن يقرأها.أهـ، وكلام ابن التركمان غير وجيه لأن قول ابن عمر: فرأوا أنه قرأ السجدة دليل واضح أنهم فهموا أن سجوده كان للتلاوة لا بدل سجدة تركها ولو كان بدل سجدة لنقلوه فمثله لا يسكت عنه.

وقول القدوري – رحمه الله – غير ظاهر أيضاً لأن الكراهة حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل ولا دليل بل الدليل قائم على الجواز.

والراجح والله أعلم بالصواب أنه إذا قرأ الإمام السجدة في صلاة السر وسجد سجد المأموم لقوله: «إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا سجد فاسجدوا»، وبالنسبة لصلاة الجهر فقد ثبت عنه من حديث أبي رافع الصائغ قال: صليت مع أبي هريرة /العتمة  فقرأ (إذا السماء انشقت) فسجد فيها فقلت: ما هذه؟ قال سجدت بها خلف أبي القاسم فما أزال أسجد فيها حتى ألقاه.

وهذا دليل على جواز قراءة السجدة في صلاة الجهر وإتباع الإمام في السجود (فإذا ظن الإمام أنه إن سجد في الصلاة للتلاوة أحدث بسجوده اختلافاً بين المصلين يكره له أن يسجد وذلك كأن يكون في صلاة الجمعة والناس خلفه كثيرون ومنهم من يصلي بعيداً عنه فإذا ما سجد للتلاوة توهم البعيد عنه أنه ركع فيركع فإذا هو يرفع رأسه من السجود إلى قراءة آية تمهيداً للركوع كما هو معروف فيقع الناس في (حيص بيص) لا يدرون ماذا يفعلون وغالباً ما تحدث بعد الصلاة مشاجرات عنيفة وترتفع الأصوات في المسجد ويحصل ما لا تحمد عواقبه فيكون قد أدى فعل السنة إلى الوقوع في الحرام وإذا أدى وقوع السنة إلى فعل شيء محرم وجب تركها والله أعلم).

والواجب على العلماء تبصير الناس بأمور دينهم حتى يكونوا /على بينة من أمرهم والله الهادي إلى سواء السبيل.

قال القرطبي (المفسر) فإن قرأها في صلاة فإن كان في نافلة سجد إن كان منفرداً أو في جماعة وأمن التحايط فيها وإن كان في جماعة لا يأمن ذلك فيها فالمنصوص جوازه وقيل لا يسجد وأما في الفريضة فالمشهور عن مالك النهي عنه فيها سواء كانت صلاة سر أو جهر جماعة أو فرادى وهو معلل بكونها زيادة في إعداد سجود الفريضة وقيل معلل بخوف التخليط على الجماعة وهذا أشبه وعلى هذا لا يمنع منه الفرادى، ولا الجماعة التي يأمن فيها التخليط.

وخلاصة المسألة أنه إذا قرأ الإمام آية سجدة فله أن يسجد وله أن لا يسجد فإن سجد وجب على المأموم إتباعه فإن لم يسجد المأموم معه متعمداً بطلت صلاته لأن متابعة الإمام واجبة أما إذا جاهلاً بسجود الإمام بأن كان يصلي بعيداً عنه فلا تبطل صلاته بتركه متابعة الإمام فيها لأنه معذور، فإن هوى الإمام إلى السجود ورفع الإمام رأسه منه وجبت عليه متابعته ولا يسجد وحده.