الفصل الثالث من الفصول التي ذَكرها ابن رشد في موضوع: سجدات التلاوة في القرآن الكريم: وقت السجود. متى يَسجد الإنسان سجدة التلاوة؟ هل في جميع الأوقات -كما يقول الشافعي- لأنّ هذه السجدة مسبّبة وسببها سابق عليها، فلا بأس مِن أدائها في جميع الأوقات، حتّى في الأوقات الخمسة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها؟ أم أنّ ذلك -أي: السجود للتلاوة- ممنوع في هذه الأوقات الخمسة، كما يُمنع أداء النوافل أو غيرها في هذه الأوقات؟

يحكي ابن رشد اختلاف الفقهاء في ذلك:

بأنّ قومًا مَنعوا السجود في الأوقات المنهيّ عن الصلاة فيها؛ وذلك مذهب أبي حنيفة؛ لأنه يَمنع جميع الصلوات في هذه الأوقات التي ورد النهي عنها. وقد سَبق بيانها فيما مضى في: مواقيت الصلاة وهي: بعد صلاة الصبح حتى تُشرق الشمس، وعند الشروق حتى ترتفع، وعند الزوال، وبعد صلاة العصر حتى تميل الشمس للغروب، وعند الغروب.

كذلك مَنع الإمام مالك سجدة التلاوة في هذه الأوقات؛ لأنها عنده مِن النفل، والنفل ممنوع في هذه الأوقات. وروى ابن القاسم عنه أنّه: يسجد فيها بعد العصر ما لم تصفرّ الشمس أو تتغير، وكذلك بعد الصبح.

وقد أخذ الإمام أحمد بما أخذ به أبو حنيفة ومالك.

أمّا الشافعي -رحمه الله- فقال: إنه يُسجد للتلاوة في جميع الأوقات، وهذا بناءً على أنّها سُنّة، والسنن عنده تُصلّى في هذه الأوقات، ما لم تَدْن الشمس من الغروب أو الطلوع.

ومِن هذا يتبيّن أنّ في مسألة سجود التلاوة قوليْن:

القول الأوّل: قول الجمهور، وهو: عدم السجود في الأوقات التي نَهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها.

القول الثاني: قول الشافعي بجواز ذلك.

والذي نرجّحه ونميل إلى الأخذ به هو: قول الأئمة الثلاثة: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، في عدم سجود التلاوة في هذه الأوقات التي ورد النهي عن الصلاة فيها.